خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 17 من ربيع الآخر 1444هـ - الموافق 11 / 11 / 2022م
خَطَـرُ الِابْتِدَاعِ فِي الدِّينِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102].
أَمَّا بَعْدُ:
فَاعْتَصِمُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا.
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
لَقَدْ أَرْسَلَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، جَعَلَهُ اللهُ حُجَّةً عَلَى عِبَادِهِ، وَأَمِينَهُ عَلَى وَحْيِهِ، رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَقُدْوَةً لِلسَّالِكِينَ، فَهَدَى بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَبَصَّرَ بِهِ مِنَ الْعَمَى، وَأَرْشَدَ بِهِ مِنَ الْغَيِّ، وَأَقَامَ بِهِ مِلَّةَ الْكُفْرِ الْعَوْجَاءَ، وَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا.
جَاءَنَا بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، وَالدِّينِ الْقَوِيمِ، وَالنِّعْمَةِ التَّامَّةِ، وَالْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ؛ ] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[ [المائدة:3]، وَتَرَكَنَا عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ، وَالطَّرِيقِ الْوَاضِحَةِ الْغَرَّاءِ، لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ؛ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: تَرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، إِلَّا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا، قَالَ: فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ، إِلَّا وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ» [أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
فَهُوَ -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- الْفُرْقَانُ الْمُبِينُ، الَّذِي بِاتِّبَاعِهِ يُمَيَّزُ أَهْلُ الْهُدَى مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ، وَهُوَ الْمِيزَانُ الرَّاجِحُ الَّذِي بِهِ تُوزَنُ الْأَخْلَاقُ وَالْأَقْوَالُ وَالْأَعْمَالُ.
وَمَعَ تَمَامِ هَذَا الدِّينِ وَكَمَالِهِ، وَجِهَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَبْلِيغِهِ وَإِيصَالِهِ، أَبَى بَعْضُ النَّاسِ إِلَّا الْإِحْدَاثَ فِيهِ وَالِابْتِدَاعَ، وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ وَالِاخْتِرَاعَ، وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ، وَنَهَى عَنْهُ أَبْلَغَ النَّهْيِ وَالنَّكِيرِ، فَكَانَ إِذَا خَطَبَ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، وَبَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الِابْتِدَاعَ فِي الدِّينِ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ، وَأَنَّ مَنْ تَقَرَّبَ إِلَى اللهِ بِمَا لَمْ يَجْعَلْهُ اللهُ تَعَالَى قُرْبَةً فَعَمَلُهُ بَاطِلٌ؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: (هَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ كُلِّ الْبِدَعِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ).
إِخْوَةَ الإِسْلَامِ:
إِنَّ الِابْتِدَاعَ فِي الدِّينِ لَهُ أَضْرَارٌ عَظِيمَةٌ، وَمَخَاطِرُ جَسِيمَةٌ، وَآثَارٌ وَخِيمَةٌ؛ فَالْبِدْعَةُ خُرُوجٌ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَوُقُوعٌ فِي الضَّلَالِ الْعَظِيمِ، وَمُعَانَدَةٌ لِلشَّرِيعَةِ، وَمُتَابَعَةٌ لِلْهَوَى، وَمُشَاقَّةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَاقْتِفَاءُ سَبِيلِ مَنْ غَوَى، وَهِيَ سَبَبٌ لِتَفَرُّقِ الْأُمَّةِ وَتَبَاغُضِهَا وَتَدَابُرِهَا، وَاللهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالِاجْتِمَاعِ وَنَهَى عَنِ الْفُرْقَةِ، فَقَالَ: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا[ [آل عمران:103]، قَالَ قَتَادَةُ -رَحِمَهُ اللهُ-: (لَعَمْرِي لَوْ كَانَ أَمْرُ الْخَوَارِجِ هُدًى لَاجْتَمَعَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ ضَلَالًا فَتَفَرَّقَ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ إِذَا كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ، وَجَدْتَ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا).
وَالْبِدْعَةُ سَبَبٌ لِمَوْتِ السُّنَنِ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: (مَا أَتَى عَلَى النَّاسِ عَامٌ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً، وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً؛ حَتَّى تَحْيَا الْبِدَعُ وَتَمُوتَ السُّنَنُ)، وَالْبِدْعَةُ سَبَبٌ لِاسْوِدَادِ الْوَجْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ[ [آل عمران:106]، وَالْبِدْعَةُ لَا تَزِيدُ صَاحِبَهَا إِلَّا بُعْدًا عَنِ اللهِ، وَازْدِيَادًا فِي الْهَوَى وَالضَّلَالِ؛ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (مَا كَانَ رَجُلٌ عَلَى رَأْيٍ مِنَ الْبِدْعَةِ فَتَرَكَهُ، إِلَّا إِلَى مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ).
وَالدَّعْوَةُ إِلَى الْبِدْعَةِ سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الْآثَامِ وَالسَّيِّئَاتِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
عِبَادَ اللهِ:
لَمَّا كَانَ لِلْبِدَعِ هَذِهِ الْمَخَاطِرُ وَالْأَضْرَارُ؛ حَذَّرَ مِنْهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانُوا يَنْهَوْنَ النَّاسَ عَنِ الْإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ وَيَأْمُرُونَهُمْ بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ؛ قَالَ مَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (إِيَّاكُمْ وَمَا ابْتُدِعَ؛ فَإِنَّ مَا ابْتُدِعَ ضَلَالَةٌ)، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا؛ فَقَدْ كُفِيتُمْ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: (كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَإِنْ رآهَا النَّاسُ حَسَنَةً).
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ،
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ تَعَالَى خَيْرُ زَادٍ لِيَوْمِ الْمَعَادِ؛ ] وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ[ [البقرة:197].
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
لَمَّا كَانَتِ الْبِدَعُ خَطِيرَةً، وَشُؤْمُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَظِيمًا؛ حَذَّرَ مِنْهَا الْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ، الْمُقْتَدَى بِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ؛ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: (عَلَيْكَ بِالْأَثَرِ وَطَرِيقَةِ السَّلَفِ، وَإِيَّاكَ وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ؛ فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ)، وَقَالَ إِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: (مَنِ ابْتَدَعَ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً؛ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَانَ الرِّسَالَةَ)، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: (كَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ شَدِيدًا عَلَى أَهْلِ الْإِلْحَادِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ)، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: (أُصُولُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا: التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ، وَتَرْكُ الْبِدَعِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ فَهِيَ ضَلَالَةٌ).
وَكَانَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ يَرَوْنَ نُصْرَةَ السُّنَّةِ، وَالتَّحْذِيرَ مِنَ الْبِدْعَةِ، مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُقَرِّبُ إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى -رَحِمَهُ اللهُ-: (الذَّبُّ عَنِ السُّنَّةِ أَفْضَلُ مِنَ الْجِهَادِ)، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِجِهَادِ الْمُنَافِقِينَ، الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِتَغْيِيرِ الدِّينِ، وَإِطْفَاءِ نُورِهِ الْمُبِينِ، فَقَالَ تَعَالَى: ]يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ[ [التوبة:73]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي تَفْسِيرِهَا: (جَاهِدِ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ، وَالْمُنَافِقِينَ بِاللِّسَانِ).
وَلِشِدَّةِ كَرَاهَتِهِمْ لِلْبِدَعِ الْمُضَادَّةِ لِلشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ كَانُوا يُحَذِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْبِدَعِ، وَيَنْهَوْنَ عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ؛ حِفَاظًا عَلَى الدِّينِ، وَتَعْظِيمًا لِسُنَّةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: (أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حِصْنٌ مِنْ حَدِيدٍ)، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: (لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ؛ فَإِنَّ مُجَالَسَتَهُمْ تَذْهَبُ بِنُورِ الْإِيمَانِ، وَتَسْلُبُ مَحَاسِنَ الْوُجُوهِ، وَتُورِثُ الْبَغِيضَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ).
فَاحْرِصْ -عَبْدَ اللهِ- عَلَى التَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، وَاتِّبَاعِ سَبِيلِ الصَّحَابَةِ أُولِي الْمَرَاتِبِ الْمُنِيفَةِ، وَاعْمَلْ بِوَصِيَّةِ الْإِمَامِ الأَوْزَاعِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ- حَيْثُ يَقُولُ: (اصْبِرْ نَفْسَكَ عَلَى السُّنَّةِ، وَقِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ، وَقُلْ بِمَا قَالُوا، وَكُفَّ عَمَّا كَفُّوا عَنْهُ، وَاسْلُكْ سَبِيلَ سَلَفِكَ الصَّالِحِ؛ فَإِنَّهُ يَسَعُكَ مَا وَسِعَهُمْ).
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَأَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى حَمْلِ الْأَمَانَةِ، وَجَنِّبْنَا الْغَدْرَ وَالْخِيَانَةَ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَنَا، وَاجْعَلْ فِي طَاعَتِكَ قُوَّتَنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ، وَالْـمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا لِهُدَاكَ، وَاجَعَلْ أَعْمَالَهُ فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُ ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَمُنَّ عَلَيْهِ بِدَوَامِ الشِّفَاءِ، اللَّهُمَّ وَوَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ الأَمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة